(
تواصل قناة «فرانس 2» بثّ مسلسل أمريكي انطلقت أولى حلقاته قبل أزيد من عشرين سنة، بما يعني أن عدد حلقات هذا المسلسل الذي تبثه القناة العمومية الفرنسية بمعدل خمس مرات في الأسبوع قد تجاوز إلى حد الآن خمسة آلاف حلقة، وأنه مازال يحظى إلى حد الآن بنسبة متابعة محترمة حتّمت الحفاظ عليه إلى الآن، ليس بسبب أنه «تحفة» تلفزيونية ولكن فقط بسبب علاقة الألفة التي خلقها مع مشاهديه، أو مشاهداته -في الحقيقة- اللائي يتمثلن خاصة في ربات البيوت العاطلات عن العمل.
يحمل المسلسل، في نسخته الأمريكية، اسم «الجريء والجميلة»، ويبث بفرنسا في ساعات الصباح الأولى (في حدود الساعة التاسعة صباحا، بوجه عام)، أي مباشرة بعد مغادرة الفئات العاملة لبيوتها نحو مقار العمل. وقد سبق لـ«دوزيم» أن بثت عدة حلقات منه في سنواتها الأولى تحت عنوان «طوب موديل»، لكنها اختارت توقيتا للبث مختلفا عن التوقيت الفرنسي هو السابعة مساء، ربما لأن أغلبية مشاهدي التلفزيون عندنا عاطلون عن العمل أو فقط لاعتقاد الفرنسيين القائمين على شؤون القناة إذاك أن المغاربة لا يصحون من النوم إلا بعد أذان المغرب فبرمجوا لهم المسلسل بعد الصحو مباشرة.
الجميل في هذا المسلسل أنه ما زال يعتمد في أدواره الرئيسية، إلى حد الآن، على نفس الممثلين الذين انطلق بهم، والذين صار التمثيل فيه بالنسبة إليهم عملهم الرئيسي إن لم يكن مصدر رزقهم الوحيد (حيث لا نراهم في أي عمل، تلفزيوني أو سينمائي، آخر). المشكل هنا أنهم ما زالوا يمثّلون الأدوار نفسها التي كانوا يلعبونها في حلقات المسلسل الأولى وهم في ريعان الشباب، بقصص الحب والخيانة، والغدر والوفاء، ذاتها، وذلك رغم حركة الزمن التي جعلت رؤوس الأبطال تشيب، ووجوه النجمات تمتلئ بالتجاعيد، مثلما جعلت محيطهم نفسه يتحول بشكل يكاد يكون جذريا، حيث لم يكن هناك عند انطلاق المسلسل لا هاتف نقال ولا حاسوب محمول ولا بث فضائي مباشر ولا شاشات بلازما أو «إل سي دي»...
بذلك يخرج المسلسل، دون إرادة أصحابه وممثليه، من بعده الدرامي الأصلي ليندرج ضمن بعد آخر، فكاهي هذه المرة، وذلك حين يتحول «النجوم» القدماء إلى عجزة متصابين، ومواقف الحب القديمة بين الممثلين إلى ما يشبه «السكيتشات» الكوميدية الساخرة، في انتقام جميل للزمن من كل هؤلاء الذين يرفضون الاعتراف به.
ليس ممثلو هذا المسلسل وحدهم من يعانون مما يفعله الزمن بهم، بل يعاني منه ممثلون آخرون غيرهم، في التلفزيون كما في السينما. وفي مقابل قلّة من «النجوم» القادرين على إدراك فعل الزمن بهم والتكيّف مع مستجدّاته، يعجز أغلبهم عن تقبّل فكرة زحف الزمن على أجسادهم ويواصلون التصرّف وكأنهم في ريعان الشباب، سواء عن طريق الإغراق في السلوكات المتصابية أو عن طريق اللجوء إلى المراهم وعمليات التجميل التي تجعلهم في النهاية، ودون وعي منهم، أشبه بـ«المومياءات» المتحركة على قدمين.
في تاريخ السينما العربية، مثلا، هناك «نجمات» استطعن الانتقال بسلاسة من دور الحبيبة إلى دور الزوجة والأم ثم الجدة دون أي مشكل (أمينة رزق أو فاتن حمامة...)، غير أنهن يمثّلن قلة معدودة على أصابع اليد الواحدة مقارنة بممثلات يُجرين باستمرار عمليات شدٍّ لبشرات وجوههن إلى حدّ أنهن صرن عاجزات عن الابتسام أو عن رسم انفعالات حقيقية على وجوههن (لأن من شأن بسمة واحدة أن تطلق البشرة وتعيد كل شيء إلى أصله). ويسجل لنا تاريخ السينما الغربية حكاية «نجمة» تدعى غريتا غاربو اختفت عن الأنظار كلية وهي في قمة تألقها كيلا يشاهد أحد تأثير الزمن عليها وكي يحتفظ الجميع في أذهانهم بصورتها وهي في ألق الشباب.
ملحوظة ختامية: كل تشابه بين هذه الأمور التي تجري في السينما وبين الواقع هو من قبيل الصدفة فقط لا غير.
مصطفى المسناوي
الجمعة 13 نوفمبر - 7:59